رسالة ماجستير: تطور دور وظيفة التدقيق في مجال حوكمة الشركات لتجسيد مبادىء ومعايير التنمية المستدامة

أصبح التطور السريع والمستمر في شتى المجالات هو السمة الغالبة في هذا العصر، وعلى الرغم من أن الهدف من هذه التطورات ودوافعها يأتي استجابة لتلبية احتياجات الإنسان المتزايدة، فإنها خلفت أثاراً سلبية واضحة على النواحي الاجتماعية والبيئية

مثل التلوث والنفايات وارتفاع درجات الحرارة وغيرها من المشكلات التي يجهد العالم في مواجهتها حالياً، فقد زاد اهتمام الدول والحكومات بهذه المشكلات متمثلاً ذلك في إنشاء جمعيات ووكلات حماية البيئة، وعمل ندوات وبرامج تطوعية للتوعية بالأضرار البيئية، ونشر الأنظمة والقوانين بهدف الوصول إلى بيئة نظيفة تسهم في رقي المجتمعات والمحافظة عليها، وتفاعلا مع الموقف السابق، نشأ المفهوم الحديث للتنمية وهو ما يعرف بالتنمية المستدامة Sustainable Development، وهو نمط التنموي الذي يسعى لتحقيق رفاه المجتمع دون الإضرار بالبيئة ومواردها، وذلك لأنه يعتبرها ملكية مشتركة بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وانعكس هذا المفهوم الحديث على المؤسسات العاملة في القطاع الصناعي الذي شهد تطوراً كبيرا وهو أيضاً الأكثر تأثيراً في البيئة، مما حتم على المؤسسات اليوم بأن مسؤوليتها لا تقتصر على تحقيق عوائد مالية واقتصادية من إنتاج السلع أو تقديم الخدمات، بل أصبحت تمتد إلى حماية المجتمع والبيئة التي تعمل فيها. ذلك أن تكاليف إنتاج السلع لا تنحصر بتلك التي تتضمنها التقارير المالية، بل هناك تكاليف أخرى جديرة بأن تحاسب عليها، فالمجتمع يعد صاحب مصلحة في المؤسسة من حيث أنه أمدها بالموارد المادية والبشرية لمزاولة نشاطها لذا يكون من حقه الرقابة على إدارتها وعلى كفاءتها في استخدام مختلف الموارد، وله الحق في معرفة أية تغيرات تطرأ عليها، مما أدى بالمؤسسات إلى إعداد تقارير خاصة أو أجزاء من تقاريرها السنوية للحديث عن أدائها الاجتماعي والبيئي، وحتى تزداد الثقة في تلك التقارير أصبحت المؤسسة تقوم بتدقيق والتحقق من أدائها الاجتماعي والبيئي من قبل مدققين مستقلين ومحايدين مدركة لأهمية التدقيق الاجتماعي والبيئي، زيادة على ذلك فقد لجأت المؤسسة إلى وضع أنظمة رقابة داخلية تقوم بتغطية الجوانب الاجتماعية والبيئية، مما جعلها تعتمد بشكل كاف على وظيفة التدقيق الداخلي وإعطائها الأهمية الكبيرة في تغطية تلك الأمور للتأكد من العمليات التي تقوم بها بكفاءىة وفعالية.

وكرد فعل لهذه الاهتمامات المتزايدة من طرف المجتمع بكل طوائفه، أدرك أطراف أصحاب المصلحة أن نجاح المؤسسات اليوم لا يعتمد فقط على الاستدامة الاجتماعية والبيئية وإنما بتكاملها مع الاستدامة الاقتصادية، الأمر الذي أدى بتوجه المؤسسات إلى إصدار تقارير مدعمة ذات مدى واسع تغطي الأمور البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتي أطلق عليها اسم تقارير الإستدامة أو التنمية المستدامة، لذلك فهناك حالياً محاولات لتطوير عملية تقويم أداء المؤسسات من ناحية تحقيقها لأهداف التنمية المستدامة، بحيث أصبحت المؤسسة تقوم بتدقيق التنمية المستدامة استجابة منها للرقابة على أدائها الشامل والمستدام، ومن أجل تعزيز مصداقية تقارير التنمية المستدامة المنشورة فإن عدد من المؤسسات تقوم بتقديم تقاريرها إلى مدققين "المحققين" الخارجيين مكاتب محاسبة عامة أو مكاتب استشارية متخصصة بغرض إبداء تأكيدها عليها. كما نجد أن التطورات الحديثة التي حصلت على وظيفة التدقيق لإنتقالها من الخدمة المالية التقليدية، إلى مجموعة خدمات التي تمس جوانب التنمية المستدامة، من الآليات المهمة في تفعيل حوكمة الشركات Corporate Governance، وتعتبر هذه الأخيرة من أهم العمليات الضرورية واللازمة لحسن عمل المؤسسات، وتأكيد نزاهة الإدارة فيها، وكذلك للوفاء بالالتزامات والتعهدات ولضمان تحقيق وبلوغ المؤسسات أهدافها وبشكل قانوني، خاصة ما يتصل بتفعيل دور مجلس الإدارة والمدربين للإضطلاع بمسؤولياتهم وممارسة دورهم في الرقابة والإشراف على أداء المؤسسات، بما يؤدي إلى الحفاظ على مصالح الأطراف ذات المصلحة، وبالتالي فإن حوكمة الشركات أصبح لها دور فعال في حماية مسار المؤسسة، وتأكيد صدقها ومصداقيتها، سواء في الحاضر الحالي أو امتداد ذلك إلى المستقبل.

وبسبب الإنفتاح المتزايد على الأسواق العالمية الذي بدا يعرفه الاقتصاد الجزائري في السنوات الأخيرة خاصة بعد عقد شراكة مع الاتحاد الأوروبي ضمن الاتفاقية الشراكة الأورو جزائرية، وما لهذه الأخيرة من الانعكاسات البليغة الأثر مرتبطة أساساً بمدى قدرة المؤسسات الجزائرية على مجابهة المؤسسات العالمية الرائدة في مجال التنمية المتسدامة، حيث أن هذه المؤسسات تطبق وتنبع مجموعة من المعايير والمبادرات الدولية في مجال التنمية المستدامة، ولكن لتحسين فرصة التحول السريع نحوي اقتصاد السوق، وتسريع عملية الاندماج الإيجابي في الاقتصاد العالمي، يجب على المؤسسات الاقتصادية الجزائرية أن لا تتخلف عن الإنضمام إلى ركب التنمية المستدامة لمواجهة المنافسة المتزايدة ومواكبة التطورات في بيئة الأعمال لتوفير فرص أكبر لبقائها واستمرارها، وهذا لما تتطلبه من توفير جو من الثقة، المصداقية والشفافية في إدارة المؤسسات.

 

إعداد الطالب

فاتح غلاب

 

د. بالرقي التجاني

أستاذ محاضر - جامعة سطيف

 

 

 

للإطلاع على المرفقات
قراءة 342 مرات آخر تعديل في الأحد, 23 أكتوبر 2022 13:39

الموضوعات ذات الصلة

سجل الدخول لتتمكن من التعليق

 

في المحاسبين العرب، نتجاوز الأرقام لتقديم آخر الأخبار والتحليلات والمواد العلمية وفرص العمل للمحاسبين في الوطن العربي، وتعزيز مجتمع مستنير ومشارك في قطاع المحاسبة والمراجعة والضرائب.

النشرة البريدية

إشترك في قوائمنا البريدية ليصلك كل جديد و لتكون على إطلاع بكل جديد في عالم المحاسبة

X

محظور

جميع النصوص و الصور محمية بحقوق الملكية الفكرية و لا نسمح بالنسخ الغير مرخص

We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…